الغرب وضبط النفس

 

بقلم : حمادة إسماعيل شعبان
صدق فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حين قال في مؤتمر “الحرية والمواطنة… التنوع والتكامل” الذي عُقد في القاهرة الثلاثاء 28 فبراير 2017م: “إن المتأمل المنصف في ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تُخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية، أو هذا الكيلَ بمكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رُغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة، وقضية واحدة هي قضية العنف والإرهاب الديني، فبينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينين الإلهين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورتهِ حتى هذه اللحظة”.

نعم لقد لخص فضيلة الإمام الأكبر بهذه الكلمات البسيطة القليلة موقف العالم والمنظمات العالمية اليوم مما يحدث لمسلمي ولاية “أراكان” في “ميانمار” والتي صنفتهم الأمم المتحدة على أنهم أكثر أقلية دينية مضطهدة في العالم كله، لكن فضيلته لفطرته السليمة، وسريرته النقية، وحسن ظنه بالآخر كان يتوقع أن المفارقة والازدواجية في المعايير عند البعض في الغرب قائمة بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام وفقط، لكن ما يحدث اليوم يضيف إلى هذه الأزدواجية القبول بما يرتكبه أصحاب الديانة البوذية من مجاذر وإبادة جماعية قائمة على أساس ديني ضد مسلمي “الروهينجا” في ميانمار، ففي حين تمر جرائم البوذيين وجيش ميانمار وتطرفهم الذي لم يرى له التاريخ مثيلًا بردًا وسلامًا على قلوب الغرب ومنظماته نرى ظاهرة .

“الإسلاموفوبيا” تزداد بشكل مستمر هناك، فبسبب مجموعة من الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل الناس بغير حق، والتي معظم ضحاياها من المسلمين أنفسهم، نراهم يلصقون بالدين الإسلامي العظيم جرائم واتهامات الدين الإسلامي منها براء، ونراهم ينتفضون ويتخذون من الإجراءات ضد المسلمين ما فيه ظلم للأبرياء، وما يدفع ثمنه مسلمي الغرب الذين يحترمون كافة القوانين في الدول التي يقيمون فيها. ولقد انتهج هذا النهج الظالم الكثير من الإعلاميين الغربيين وأصحاب المنصات الإعلامية هناك، وبعض قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة، فصنعوا ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أو “الخوف المرضي من الإسلام” ، ومع الأيام تحولت هذه الظاهرة الغير مبررة إلى منهج انتهجه الكثير من القادة السياسيين في دعايتهم الانتخابية ليحصلوا من خلاله على أعلى الأصوات، وهم بهذا النهج الخبيث قد خلقوا عدوًا من لا شيئ، وأرعبوا به مواطنيهم، وهم اليوم يدعون أنهم سيخلصونهم من هذا العدو. 

لقد أدانت عدة دول غربية ما يحدث لمسلمي “الروهينجا”، وهذا شيئ جيد وإيجابي، لكن يأخذ على بياناتهم أنها كانت بيانات هادئة تحمل بين ثناياها مساوة بين الجاني والمجني عليه، بين الظالم والمظلوم، وبين القاتل والمقتول، وإننا لنتسائل ما هو معنى الجملة المشتركة التي تقريبًا شملتها جميع بيانات الدول الغربية والتي تقول:”ونطالب جميع الأطراف بالهدوء وضبط النفس”؟ لو قالوا: “نطالب حكومة ميانمار وجيشها بضبط النفس” لكان من الممكن أن نتفهم ذلك، لكن كيف يُطالب شعب يُقتل ويُباد وتُمارس ضده إبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم كله، ثم نطالبه بضبط النفس؟ هل المقصود أن يضبط نفسه ويتأنى في هروبه ويأخذ معه بعض الملابس والأطعمة حتى لا يموت من الجوع أثناء رحلة الموت التي سيقوم بها إلى “بنجلادش”؟ أم يقصدون ألا يهرب في قوارب بلاستيكية حتى لا يكون عرضة للغرق مثلما حدث الإسبوع الماضي وفقد تسعة عشر شخصًا حياتهم في نهر “ناف” أثناء هروبهم من الموت إلى “بنجلادش”؟ لا نعرف كيف يضبط المظلوم نفسه أمام الظالم، والأعزل أمام المسلح، والضعيف أمام القوي؟ يا من تطالبون مسلمي “الروهينجا” بضبط النفس، ماذا أنتم صانعون لو كانت الدول العربية والإسلامية طالبتكم بالهدوء وضبط النفس في بياناتها التي أدانت فيها أحداث إرهابية خسيسة ظالمة تعرضت لها بلادكم، وراح ضحيتها مواطنون أبرياء؟ .
إن كاتب هذا المقال لا يؤمن بنظرية المؤامرة ولا يحب أن يرتدي ثوب الضحية لكن ما يحدث الآن يوحي أن العالم لا يحزن إلا على الأقوياء ولا يتخذ المواقف الإيجابية إلا لصالحهم، فعندما نسمع عن حادث غرق أو قتل أو أي كارثة حلت بشعب من شعوب الدول الضعيفة غير المستقرة سياسيًا والتي بها صراعات، لا تقوم الدول والحكومات باتخاذ الإجراءات ذاتها التي اتخذتها قبل ذلك مع الكوارث التي حلت بالدول القوية المستقرة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، إنما تُذكر الحادثة أو الكارثة التي وقعت على مواطني أي دولة ضعيفة بها صراع كخبر ضمن نشرة الأخبار، ويتحول الموتى إلى مجرد رقم يُضاف إلى الأرقام السابقة التي تتنافس الصحف والمحطات الأخبارية في دقتها، وتتباهى بإحصائياتها، فلا نرى حزنًا إلا عند القليل، ولا نرى حدادًا على الإطلاق، ولا نرى شارات سوداء في ملاعب كرة القدم، بل ربما يكون أحد اللاعبين من مواطني الدولة الفقيرة التي وقعت على شعبها أو على عدد منه حادثة مؤلمة ولا يستطيع هذا الاعب أن يرتدي الشارة السوداء التي ارتداها من قبل على كارثة حلت بمواطني دولة أخرى. لذلك يقع علينا نحن الشعوب العربية والإسلامية مسؤلية كبيرة وهى الحفاظ على دولنا ووحدتنا وتماسكنا، والعمل ليل نهار من أجل أن نصنع لدولنا مكانًا على خرائط العالم المتقدم، وكفانا هذه القرون التي قبعنا فيها تحت وطأة وصفنا بالعالم الثالث والدول النامية. أسأل الله العظيم أن يُنعم على بلادنا العربية والإسلامية بالأمن والرخاء، وأن ينصر مسلمي ميانمار ويربط على قلوبهم.