تعرف على توصيات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء

 

كتب: محمد حنفي الطهطاوي

 ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، البيان الختاميَّ لفعاليات المؤتمر العالمي العاشر .

والذي انعقد يومَي 12 و13 أغسطس 2025م تحت عنوان: “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”

وذلك برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، في تأكيد على حرص الدولة المصرية على دعم المؤسسات الدينية ومواكبة التحولات المعاصرة.

وأشار المفتي في كلمته إلى أن المؤتمر شهد مشاركة واسعة من أكثر من ثمانين دولة، بحضور نخبة من المفتين والعلماء والوزراء والخبراء، اجتمعوا لتبادل الرؤى حول تطوير العمل الإفتائي في ظل التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي.

وعبر المشاركون عن عميق تقديرهم للرعاية الرئاسية لهذا الحدث، باعتبارها دعمًا كبيرًا للخطاب الديني الوسطي، ومحفزًا لبناء جيل من المفتين يمتلك الكفاءة العلمية والقدرة التقنية لمواكبة مستجدات العصر.

وأكد أن الفتوى الرشيدة تُمثل صمامَ أمان للمجتمعات، وأن إعداد المفتي المتقن لأدوات العلم والتقنية لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحَّة، مشددًا على أنَّ العلوم الشرعية مدعوة -دائمًا- لمواكبة التطورات التقنية.

وأوضح أن المؤتمر قد تضمن خمس جلسات علمية وأربع ورش تفاعلية ناقشت التأصيل الشرعي والتطبيق العملي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء.

وفي الإطار ذاته أشار  المفتي إلى أن المشاركين طرحوا نماذج للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن ضوابط منهجية تحافظ على الثوابت الشرعية.

وشهدت الفعاليات الإعلان عن مشروعات ومبادرات كبرى بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الأمانة العامة،

في خطوة تعكس التوجه نحو التحول من التوصيات إلى التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.

التوصيات والبيان الختامي

وفي ختام أعمال المؤتمر أعلن المفتي مجموعةً من التوصيات الأساسية، وجاء أبرزها تأكيد مركزية القضية الفلسطينية واعتبارها قضية العرب والمسلمين جميعًا

واعتبروا نصرة أهلنا في فلسطين تمثل فريضة دينية ووطنية مصيرية لا يجوز التهاون فيها، مع الدعوة إلى تكثيف المؤسسات الدولية والحكومات لإغاثة شعبنا الفلسطيني، وتقديم الدعم الإنساني العاجل دون عوائق، حمايةً للأرواح البريئة ونصرةً للقضية العادلة.

وتم التشديد على وَحدة الصف الإسلامي، ونبذ الخلافات، والالتفاف حول الثوابت الجامعة؛ إدراكًا منا للتحديات الكبرى التي تواجه الأمة، والتأكيد المتكرر على أن وحدة الكلمة وصلابة الصف من أهم ضمانات الثبات أمام التحديات.

ودعا المؤسسات الإفتائية والعلمية إلى تبنِّي أعلى معايير الحيطة والدقة في عصر الفتوى الرقمية، وضرورة ترسيخ ضوابط فقهية وأخلاقية تحكم الفتاوى المنشورة عبر الوسائط الرقمية.

وتم تأكيد أن المؤسسات الإفتائية الرسمية هي الحصن المنيع لحماية الشرع من الفتاوى المغلوطة، وكذا حماية المجتمعات من الخلل الفكري مما يزيد من مهمة توحيد جهودها وآليات عملها.

ودعا المؤتمر إلى وضع أُطر أخلاقية صارمة للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، مصدرها النموذج المعرفي الإسلامي.

وأكد المؤتمر أن التطور وتقدُّم العلم أمرٌ إلهيٌّ يجب استثماره في مصالح الناس، وعليه ندعو العلماء إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في البحث والدعوة بتطوير تطبيقات تيسِّر وصول الناس إلى المصادر الموثوقة والمرجعيات الصحيحة.

إلى جانب تعزيز القدرة على استخراج الأحكام من مصادرها، وبذلك تتحول النوازل المعاصرة إلى سوابق فقهية مدروسة، من خلال اجتهاد علمي يقوده المتخصصون.

أهمية التأهيل المزدوج للمفتين

وشدد  المؤتمر على  أهمية الاستشراف الفقهي لمواجهة مستجدات العصر، وذلك بإنشاء برامج بحثية موسعة لدراسة قضايا المستقبل بهدف استباق المستجدات بحلول شرعية راسخة.

حيث أن واجب المفتي ألا يغلق باب الاجتهاد قبل أن يعرف ما قد تثيره التكنولوجيا والعلوم الحديثة. 

وتهيب بدور وهيئات الإفتاء والمؤسسات العلمية أن تضع برامج بحثية موسعة لدراسة قضايا الغد؛ كالتقنيات الغامضة والحرب الإلكترونية وغيرها؛ كي نكون سبَّاقين في استنباط الأحكام الصحيحة واستخراج حكم الله على المستجدات.

ثم التشديد على أهمية التأهيل المزدوج للمفتين شرعيًّا وتقنيًّا، مع إدراج مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعي والوسائط الرقمية ضمن مناهج إعداد المفتين وبرامج تدريبهم، بحيث يجمع المُفتي بين رسوخ العلم الشرعي والإلمام الوافي بأدوات التكنولوجيا الحديثة.

بالاضافة تعزيز العمل المؤسسي الرقْمي في دُور وهيئات الإفتاء، من خلال تطوير البنية التحتية الإلكترونية، ودعم إنشاء المنصات الرقمية التفاعلية لإصدار الفتاوى، وتفعيل قواعد بيانات وشبكات الاتصال بين الهيئات الإفتائية عالميًّا لتسهيل التواصل وسرعة الاستجابة.

إلى جانب تعميق التعاون بين هيئات الإفتاء ومراكز البحث والمنظمات الدولية، بهدف تبادل الخبرات وإثراء الدراسات المشتركة حول القضايا المستجدة.

فضلا عن إقامة شراكات استراتيجية مع المؤسسات الأكاديمية والتقنية لتطوير أدوات الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية.

مواجهة خطاب الكراهية والتطرف

وأوصى بمواجهة خطاب الكراهية والتطرف الرقمي بحزم، من خلال تطوير آليات رصد المحتوى المتطرف على منصات التواصل الاجتماعي، وإطلاق مبادرات توعوية لنشر قيم التسامح والاعتدال والعيش الآمن على مستوى العالم.

إلى جانب دعم التنوع الثقافي وترسيخ التعايش السلمي، واحترام الخصوصيات المحلية للمجتمعات وترسيخ قيم الحوار بين الأديان والثقافات وجعل الفتوى جسرًا للتواصل بين الشعوب؛ تعزيزًا للسلم المجتمعي، وتأكيدًا على عالمية رسالة الإسلام في تحقيق السلم والوئام.

وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لخدمة الفتوى المعتدلة، وتشجيع الابتكار في البرمجيات الإفتائية وتطبيقات الهواتف والمنصات الرقمية.

مع ضرورة توفير الدعم الفني والمالي للمبادرات التي تيسر الوصول إلى الفتوى الصحيحة بلغات متعددة، وذلك بهدف تنقية الخطاب الديني من الشبهات والأفكار المغلوطة، وتيسير الوصول إلى الفتوى المعتبرة بلغات متعددة وفي الوقت المناسب.

والحث على تشجيع البحث العلمي التطبيقي في مجال الإفتاء الرقمي، مع دعم الدراسات التي تبحث في تكامل العلوم الشرعية مع التكنولوجيا الحديثة لضبط الممارسة الإفتائية.

وإطلاق برامج توعية لتثقيف الجمهور حول مخاطر الاعتماد على الفتاوى غير الموثوقة عبر المنصات المفتوحة وطلب الجواب الشرعي من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي لا تخضع للمراجعة والتقييم، وحث الجمهور على الرجوع إلى المؤسسات المعتمدة.

وإدماج قضايا المناخ في أولويات المؤسسات الإفتائية وإشراك القيادات الدينية في معالجة قضايا التغيُّر المناخي، من خلال تفعيل دور العلماء والمفتين في التوعية بمبادئ الحفاظ على البيئة وفق تعاليم ديننا الحنيف.

إضافة إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنيَّة لإبراز البُعد الأخلاقي والديني في جهود مكافحة تغير المناخ.

اترك تعليقاً