دور الاستشراق الإسرائيلي الخفي

بقلم- وداد محمد كامل
مترجمة وباحثة في الاستشراق الإسرائيلي الحديث

“مما لا شك فيه إرتباط الاستشراق بالاستعمار قديماً وبتفكيك الوطن العربي حديثاً. الأمر الذي خرج بالاستشراق –عامة- والاستشراق الإسرائيلي –خاصة- من بوتقة الأبحاث العلمية الموضوعية إلى دائرة السياسة، وتوظيف أغلب النتاج الاستشراقي إن لم يكن كله لخدمة الوضع الصهيوني لتسهيل إحتلال الأراضي الفلسطينية.”
يعود سبب اختيار مصطلح “الاستشراق الإسرائيلي” إلى حقيقة أنّ العديد من الدراسات الاستشراقية حول “القدس العربية”، والتي تغطّي الفترة الممتدة منذ الفتح العربي الإسلامي وحتّى الآن، هدفها تبرير سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتمكينه من السيطرة على الأرض والإنسان، بالإضافة إلى تشويه تاريخ المكان، وتزييفه، ومن ثمّ إضفاء صبغة يهودية عليه.
بدأ توظيف الاستشراق في البلاد العربية كالتالي، إذ يقول المستشرق جوستاف دوغا “إنّ المستشرقين مُناطٌ بهم مهمة جديدة، إذ عليهم وهم يجوبون فلك العلم الخالص، أن يهتموا بالعالم الحاضر في الوقت الذي تكتسح فيه أوروبا كل المناطق الشرقية (….) على الحكومات الواعية بمصالحها الحقيقية أن تعرف كيف تشجع وتستخدم رجال العلم والإخلاص أولئك”.
إلا أن هذا الكلام تم تطبيقه من خلال عدة مشاريع وحملات على المنطقة. منها مثلاً وصية نابليون بونابرت لنائبه كليبر في حملته على مصر والشام (1798ـ1801) بأن يدير مصر من خلال المستشرقين والزعماء الدينيين الإسلاميين الذين يستطيع المستشرقون استمالتهم.
ومنها أيضاً مشروع المستشرق أنكتيل ديبرون (1731ـ1805) الرامي إلى إيجاد مرتكز يهودي في المنطقة، إذ قام ديبرون بكثير من الرحلات ليبرهن على وجود «شعب الله المختار» في ماضي فلسطين وحاضرها عبر تتبع أصول اليهودية.
وأيضاً مشروع صندوق الإكتشاف الفلسطيني الذي أُسّس سنة 1865، والذي يهدف إلى القيام بمسح كامل ودقيق لفلسطين، والبحث العلمي في الآثار الوثيقة الصلة بـ «التاريخ التوراتي»، والقيام بحفريات لإلقاء الضوء على فنون ما يطلقوا عليه «الأمة اليهودية».
وتلك بعض المشاريع الغربية المدرجة في سياق التوجه الاستعماري نحو المنطقة العربية، والتي تضمنت قدراً من الأنشطة الاستشراقية.
وبعد قيام دولة الإحتلال ونظراً لإعتبارات عديدة -ذكرها أستاذنا إبراهيم عبد الكريم في كتابه “الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل”- والتي على رأسها وقوع دولة الإحتلال الصهيوني في تشكيل إقليمي عربي مما يزيد حاجته لمعرفة مكامن القوة والضعف في الطرف العربي.
إلا إن المستشرقين اليهود يختزلون هذه الدوافع ويسوقون التبريرات لأسباب دعائية. فمثلاً يعبر أوريال هايد –أستاذ الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية- في دراسه له عام 1961 عن أن هناك دافعين فقط للإهتمام الإسرائيلي بالشئون الشرقية وأبحاث الصراع؛ وهما (المتطلبات المستقبلية واستيعاب اليهود الشرقيين)، وهذا تبرير صوري يجافي الحقيقة من أجل تهدئة الرأي العام العالمي أمام الموجات الاستعمارية ولا يمت للواقع بصله.
ومن منطلق هذه التبريرات الصورية لجأت المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية إلى تأمين الكثير من متطلبات العمل البحثي الإسرائيلي، في محاولة لدفع كلاً من أبحاث الاستشراق وأبحاث الصراع إلى تحقيق الأغراض المحددة لها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لجأت أيضا المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية إلى تكليف الكثير من المستشرقين والباحثين بتأدية مهمات مباشرة. وكأمثلة على هذه المهمات شغل كلا من يهوشفاط هركابي وشلومو غازيت شعبة الاستخبارات العسكرية وكذلك شغل شلومو أفنيري منصب مديراً عاماً لوزارة الخارجية وغيرهم الكثير.
وجدير بالذكر أن الصهيونية الحديثة تبنت المفاهيم الاستشراقية حيث وظفتها وطورتها استناداً لنظرتها العنصرية. فعلي غرار ما ذهب إليه المستشرق جورج بوش –جد الرئيس الأمريكي- (1796ـ1859) في كتابه «محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين- من وصف العرب والمسلمين بأنهم أعراق منحطة وحشرات وجرذان وأفاعٍ، ذهب أيضا الحاخام عوفاديا يوسف-الرئيس الروحي لحزب شاس) في خطبة ألقاها في أغسطس 2004 بثتها الفضائيات الإسرائيلية، يقول فيها: «إنّ اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاًّ من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث» وهذا يؤكد تبني الصهيونية للنظرة الاستشراقية الغربية للعرب والمسلمين.
ومن هنا لا ينبغي أن تقتصر الأبحاث في أقسام اللغة العبرية في مصر على الأبحاث الأدبية والدينية واللغوية -لا ننكر أهميتها في معرفة ماضي وحاضر الواقع الإسرائيلي- ولكن نؤكد على أهمية الدراسات الاستشراقية العبرية الإسرائيلية ككل، ما تناول منها التاريخ وما تناول الدينين الإسلامي والمسيحي وما تناول اللغة العربية أدباً ولغة وأيضا ما تناول المجتمع، وجب علينا الوقوف على ما تقوم به مراكز الاستشراق الإسرائيلية من أبحاث ومؤتمرات وندوات دورية فيما يخص الشارع العربي وحتي الظواهر الإجرامية ولغة الشارع ولهجة الإعلام.
الاستشراق كان ومازال وسيكون وسيلة ضمن عدة وسائل مسئولة عن خطط الإحتلال لإستعمار بقية الأراضي الفلسطينية خاصة والعربية عامة .. لن يتوانى المستشرقون الإسرائيليون ولم يغفلوا لحظة حتي تحقيق مرادهم من السيطرة على الوطن العربي لذا وجب أن نكون لهم بالمرصاد والنقد والتحليل والجهر بمخططاتهم الاستعمارية والعنصرية أمام العالم أجمع لعلنا نكون حجر عثره في طريق مخططاتهم وهذا أضعف الإيمان.