سهيل سعود يكتب: “النفس” في المفهوم اللاهوتي والفلسفي والسيكولوجي (1)

القس سهيل سعود 

تساءل القديس أوغسطينوس، في كتابه “الاعترافات”، عن سرّ حقيقة نفسه، قائلاً: ” لقد أصبحت سؤالاً لنفسي. ما هذا السر المخيف يا الهي؟ هل هذه هي النفس؟ هل هذا هو أنا ؟ ماذا أنا يا رب؟ أي نوع من الخليقة هو أنا ؟ من أنا يا رب أمامك؟ ما هي هويتي؟”

هناك نظريتان لاهوتيتان حول تكوين الإنسان: الأولى تفيد، أن الانسان مكوّن، من ثلاثة عناصر، هي: الجسد، والنفس، والروح. والثانية، تفيد أن الإنسان مكوّن من عنصرين، هما: الجسد، (والروح أو النفس)، إذ أن كتّاب الكتاب المقدس، يستخدمون في كثير من الأحيان، كلمتي: النفس والروح، للإشارة، الى نفس المكوّن. الاّ أن الكتاب المقدس ينظر إلى الانسان كوحدة متكاملة.

عرّف الفيلسوف أفلاطون، “النفس” على أنها الكيان الداخلي، الذي يتمتع بالإدراك، وله القدرة على التنظيم والعقلنة بحريّة، ولي وحدي إمكانية الوصول إلي”. تتعمق معرفتنا عن أنفسنا، عند التواصل بصدق مع أنفسنا ومع الآخرين. والقديس أوغسطينوس اعتقد، (أن النفس هي منظومة الفكر التي تحكم الجسد”. في مقالته “عناية المصلح مارتن لوثر بالنفس في زمننا”، يعرّف الكاتب رينهارد شينيزكا “النفس” على أنها، ” ذلك الوعي واللاوعي، اللذان يحرّكان تفكير الإنسان ومشاعره ورغباته”. وعالم النفس كارل روجرز، رأى في تعبير “النفس”، إشارة إلى المعتقدات والمعلومات التي للإنسان، حول طبيعته وسلوكه وفرادته.

         صرّح الفيلسوف اليوناني سقراط، قائلاً، “الإنسان الذي لا يعرف نفسه، لا يستحق العيش”. وعندما سئل، كيف يلخّص الوصايا الفلسفية؟ أجاب: “اعرف نفسك”. تتكون صورتنا عن أنفسنا من نوعية أفكارنا وتصوراتنا عن أنفسنا. ينظر الكتاب المقدس إلى الإنسان، على أنه إنسان خاطىء بكامل مكوناته، وذلك بسبب الخطيئة، التي شوّهت صورة الله فيه، وأجرت دماراً كبيراً على كامل مكوناته، وجعلته غير قادر على الخروج من حالته الخاطئة، دون النعمة الالهية التي تعيد صورة الله اليه. وبالتالي، النفس البشرية هي مشوّهة بالخطية والميول الشريرة. 

       منذ السقوط في الخطية، ما برىء يحاول الانسان، التغلّب على مشاعر الدونية، بتطوير ميكانيكيات، للدفاع عن نفسه، وحماية أنانيته، بشتى الوسائل الممكنة. يذكر سفر التكوين، أنه بعد السقوط ،أدرك آدم وحواء، أنهما عريانين، فحتى لا يشعرا بالدونية، والذنب الكبير أمام الله من اخطأوا بحقه، ولما يطيعا وصيته بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشرّ، فانهما “خاطا أوراقًا وصنعا لنفسيهما مآزر” (تكوين3: 7). يذكر كاتب مسيحي، أن النظرة الدونيّة للنفس، هي السبب الرئيسي وراء: الأنانية، والغيرة، والكآبة، والتصرفات الشريرة. 

لهذا، يدعونا الكتاب المقدس إلى امتحان أنفسنا أمام الله وعلى ضوء كلمة الله. طلب المرنم من الله أن يختبره، ويمحّص أفكاره، ويطّهره، باخراج أية طرق باطلة منه. صلى قائلا، “اختبرني يا الله، واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري، وانظر ان كان فيّ طريق باطل، واهدني طريقا أبدياً كاملاً” (مزمور 139: 23-24). والرسول بولس دعا أعضاء كنيسة غلاطية الى امتحان انفسهم، قائلا: “ولكن ليمتحن كل واحد عمله، وحينئذ يكون له الفخر، من جهة نفسه لا من جهة غيره” (غلاطية6: 4).

في كتابه “صورة الانسان المسيحي عن نفسه” يقول الكاتب كينزر، أنه يجب أن ينظر المسيحيون الى انفسهم، كما يريدهم الله أن ينظروا. لهذا، من المهم أن يكون الإنسان مدركًا لمن هو، أمام نفسه وأمام الله، لأن هذه العملية تقوده للتغيير في حياته وتصرفاته، بعمل نعمة الله.