عين الأزهر الناظرة على العالم

 

بقلم : حمادة إسماعيل شعبان
مدرس مساعد بكلية اللغات والترجمة 

“الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، يتولى مسؤلية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم”. هذا هو نص المادة السابعة من الدستور المصري الذي كتبته لجنة الخمسين برئاسة السيد “عمرو موسى” أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، ومثل الأزهر فيه المستشار “محمد عبدالسلام” المستشار القانوني لفضيلة الإمام الأكبر، والدكتور “شوقي علام” مفتي الجمهورية، والدكتور “عبدالله النجار” أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. وحظي هذا الدستور بموافقة 98.1% من المشاركين في الاستفتاء الذي أُجري في السادس عشر من يناير عام 2014م.

وهذا يعني أن 98% من الجمعية العمومية لشعب مصر يوافقون على أن يكون الأزهر هيئة إسلامية علمية مستقلة لا يتدخل أحد في شئونها، ويوافقون أيضًا على أن يكون الأزهر هو المرجعية الأساسية لهذا الشعب في العلوم الدينية، والشئون الإسلامية، كما يسندون إلى الأزهر الشريف أعظم وظيفة على وجه الأرض، وظيفة الأنبياء والمرسلين، وهى تبليغ دعوة الله إلى عباده في شتى ربوع الأرض، وتعليم لغة القرآن التي يتطلع إلى تعلمها الملايين من المسلمين في الدول غير العربية. فيالها من ثقة عظيمة لهذا الشعب العظيم الملهم الواعي مصدر السلطات والذي يعرف قدر الأزهر الشريف، ويثق به، ويعرف أنه دون غيره هو القادر على القيام بهذه المهمة الثقيلة.

وحرصًا من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر على تطبيق هذه المادة التي كلفه الشعب بها وحمله مسؤليتها وأمانتها، وانطلاقًا من إيمان فضيلته العميق بعالمية الأزهر الشريف وعدم اقتصار رسالته على مصر والعالم العربي فحسب، بل يجب إيصالها كاملة غير منقوصة إلى جميع المسلمين على سطح الأرض فقد اتخذ فضيلته عدة خطوات واجراءات تسهل عليه القيام بهذه المهمة الثقيلة. هذه الخطوات لا تكفي مقالة واحدة لذكرها، لذلك سيخصص الفقير إلى الله كاتب هذا المقال مقالًا منفردًا لكل إجراء اتخذه فضيلته، ويشرح في كل مقال طبيعة الإجراء المتخذ وأهميته والغرض من وراءه. وسيبدأ الكاتب بـ “مرصد الأزهر الشريف لمحاربة التطرف” والذي افتتحه فضيلة الإمام في يونيو 2015م ليكون أحد أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر.

والمرصد في مجمله عبارة عن خلية نحل تتكون من مجموعة من شباب الباحثين خريجي كليتي “اللغات والترجمة”، و “الدراسات الإنسانية” بجامعة الأزهر، منهم مجموعة معينة في المرصد ومجموعة أخرى منتدبة من السادة أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة من الكليتين السالفتين الذكر. يواصل هؤلاء الباحثون العمل كل يوم في المرصد دون كلل أو ملل، يرصدون بدقة كل ما تبثه التنظيمات المتطرفة من إصدارات مكتوبة أو مرئية، باللغة العربية أو باللغات الأجنبية (الإنجليزية- الفرنسية – الألمانية – الأسبانية – الصينية – الفارسية – الأوردية – اللغات الإفريقية – التركية) ويقومون بترجمة هذه الإصدارات، والرد عليها من خلال لجان متخصصة تُفند ما تستند إليه هذه التنظيمات المتطرفة من فهم خاطئ وتأويل مريض للنصوص الدينية، ثم تُنشر هذه الردود باللغة العربية واللغات الأجنبية المذكورة عاليًا، لتعم فائدتها على العالم كله، ومن أجل إيصال صحيح الدين للجميع، وبيان موقف الإسلام من التطرف والإرهاب.

وكما يهتم المرصد بتصحيح مفاهيم المسلمين المغلوطة عن دينهم فإنه يهتم أيضًا بتصحيح مفاهيم غير المسلمين عن الإسلام، ويوضح خطورة ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي حذر فضيلة الأمام الأكبر من خطورتها حين قال: “الإسلاموفوبيا ظاهرة شديدة الخطورة إذا ما تُركت تتدحرج مثل كرة الثلج ولم تواجه ببيان حقيقة الأديان وفلسفاتها ومقاصدها في إسعاد الإنسان، والارتقاء به في مدارج الكمال الروحي والعقلي والخُلقي”.

كما حذر فضيلته من أن تتطور هذه الظاهرة وتتحول مع الأيام إلى ظاهرة “الدينوفوبيا”. ويلعب مرصد الأزهر دورًا رئيسيًا في مقاومة هذه الظاهرة فكريًا، حيث يقوم المرصد برصد أي تجاوزات تسببها هذه الظاهرة ويقوم بتصحيح صورة الإسلام مبينًا وناشرًا باللغة العربية واللغات الأجنبية أن الإسلام دين سلام لا دين حرب، وأن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كان نبي مرحمة لا نبي ملحمة، نبي حريص على إنقاذ مخاطبيه، لا عسكري يفرح بقتل معاديه، نبي بخع نفسه من أجل إنقاذ أعدائه من غضب الله، نبي مكث ثلاثة عشر عامًا في مكة قبل الهجرة لم يواجه فيهم عنفًا بعنف أبدًا، بل كان نبيًا للرحمة، ويتعامل بالرحمة، ويعلم أصحابه الرحمة في كل شيئ ويطلب منهم ألا يقابلوا إساءة وأذى أحد بمثله، وأن لا ينجرفوا إلى العنف والقسوة.

فعلى سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن” (الترمذي). ولم يقف عفو النبي عند حد القول والتوصية فقط بل انتقل إلى المرحلة العملية، فذات يوم قال أبو جهل لمن حوله من منكم يذهب فيأتينا بسلا الجزور الذي ذُبح بالأمس عند بني فلان، فإذا رأى محمدًا ساجدًا وضعه بين كتفيه”، فقام عقبة بن أبي معيط وجاء بسلا الجزور ووضعه وآلقاه بمعاونة رجاله على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، ثم تنحوا جانبًا وأخذوا يضحكون ويسخرون من النبي، ووصل الخبر إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فهرولت إحدى بناته يقال إنها السيدة زينب (الطبراني، المعجم الكبير) ولما رأت حال أبيها حزنت حزنًا شديدًا وجعلت تمسح القازورات عن ظهره الشريف، ثم أقبلت تنهرهم، فسرى النبي عنها قائلاً لها “لا تبكي فإن الله مانع أباك” ( صحيح البخاري). فالشاهد هنا هو أن النبي لم يقابل الإساءة بالإساءة، ولا العنف بالعنف، ولم يتوعد أحد ممن حوله، ولم ينظر إليهم نظرات مليئة بالانتقام والتهديد.

فرسالة مرصد الأزهر عظيمة وسامية وثقيلة، وصدق فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حين وصف المرصد بمقولة شافية وافية لخصت مهمته ورسالته في خمس كلمات هى “عين الأزهر الناظرة على العالم”. هذا الوصف بالرغم من بلاغته إلا أنه يُحمل شباب المرصد (بنين وبنات، مشرفيين ومنسقين وراصدين) مسؤلية كبرى، وأمانة عظمى. فما أصعب أن تكون عينًا لمؤسسة تمتد جذورها إلى أكثر من ألف عام في أعماق التاريخ، وما أصعب أن تكون عينًا للمرجعية الأساسية في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، وما أصعب أن تكون عينًا للدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في ربوع العالم أجمع.

فيا فرسان المرصد هبوا وانتفضوا وكونوا خير عون لإمامكم الأكبر، وبرهنوا للعالم أن دينكم دين السلام، وأن نبيكم خير الأنام، وأن بلدكم بلد الآمان. أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقكم لما فيه الخير، وأن يحفظ مصرنا وأزهرنا وشيخنا من كل سوء.