“الوزير المتحمس” بين عدالة الإقالة ومشروعية التجديد 

 

أكاد أجزم بأن الحراك المجتمعي الذي تسبب به وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، خلال الأسبوع الماضي هو ظاهرة صحية ونتاج طبيعي لوزير متحمس بصورة مبالغ فيها نحو الظهور الدائم والاستحواذ على المقروء والمسموع، السر والعلن، والبر والبحر، وكيف لا وهو من سلب جميع من في الوزارة حق الحديث والإدلاء وبقي منصب المتحدث الرسمي تحت بند” حفظ ماء الوجه”، بعد أن كان علامة فارقة في أعتى الأزمات التي واجهت الوزارة على مدى الـ 6 أعوام الماضية، نظراً لقوة المتحدث وصلابة مركزه فكان كلاهما رئيساً للقطاع الديني.

الوزير “جمعة” يمكن أن نطلق عليه المتحمس وهي عبارة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي على خلفية صراع الخطبة المكتوبة الذي حسمه الأزهر بهيئته العلمية الكبرى، حيث قال السيسي يومها: “وزير الأوقاف تحمس بكلامي وخرج بتصريح لإعلان الخطبة الموحدة، وهي نظرة محدودة لما تناقشنا فيه وما أرادته هو مصلحة 90 مليون حتى إذ لم يكن مع اجتهاد 100 ألف”، ولم تكن تلك الأزمة بدافع التحمس أو التهور تعدد خصومه منذ أن وطأت قدماه الوزارة صراعات هنا وهناك وهجوم مبرر وغير مبرر جعل الدولة وبرلمانها أمام اعتصامات وتظاهرات وشكاوى ودعوات كانت في غنى عنها فلم تسلم قيادات الوزارة من التنكيل ولم يبرأ عامل من التشريد، لا يعرف المعارضة أو النقد بناء كان أم نصح، فالمعارض عنده إما طامع أو خائن  محسوب على جماعات معادية للدولة، يراهن على ذاكرة السمك في وعوده وتصريحاته الغير مسؤولة وما أكثرها.

ولم يكُن مقبولاً أن يرضخ المتحدث الإعلامي لوزارة الأوقاف المقال أحمد القاضي لالحاح متعطش لسماع إحدى الإجابتين” آه” أو “نعم” فكلاهما نتيجة واحدة إقالة مبررة بتصريحات غير مسؤولة تهدد النظام المنضبط بوزارة لم تعهد غير تلك التصريحات التي تخلق عاصفة من الأزمات  ومع اعتماده لفكرة التراويح التي كانت سبباً في إقالة المتحدث هل يعود الرجل مجدداً أم أنه ذهب مع فرقعة بالون الاختبار؟،  تلك الوزارة التي تعتمد مبدأ تكميم الأفواه وفرض السرية، ولا تؤمن بالحريات أو تعلم قيمة الصحافة أو فن المكاشفة أو تداول المعلومات، وترى في كل مطلب عادل أمر مشبوه وحركات مريبة، تتفنن في إرضاء الخصوم وتؤمن بأن الفساد لا يحارب بل له مليون يد تحميه.

ولن استرسل في الحديث عن كوارث تلك الحقبة فيكفي أنها دفعت إلى محاصرة مجلس الوزراء من مختلف القطاعات العاملة بالوزارة والهيئة تنديداً ومطالبة بالحقوق تارة، ومطالبة بالإقالة أخرى، مراسلات تباينت الخلفيات الثقافية لمن كتبها من أئمة، خطباء مكافأة، مقيمي شعائر وعمالة وموظفي الهيئة، الجميع اجتمع على أن هناك أمور  مختلفة في مضمون المراسلات والفئات التي تقف وراءها إلا أن المسؤول عنها واحد، بل إن طلبات إحاطة البرلمانيين ضده وما أكثرها لو فعلت لكانت إطاحته في الولاية الأولى، ويكفي النائب أحمد طنطاوي أن يكون هو آخر وزير للأوقاف فيرحلا سويا فتعود إلى أحضان الأزهر في شقها الدعوي. 

ومع تصاعد مطالب الإقالة المشروعة التي قابلتها حملات إجبار وإكراه على التأييد لمختلف القطاعات العاملة استغلالا للنفوذ اذكره بتلك المقولة التاريخية التي صارت عبرة وعظة “لعلها دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها والله لم يغفل عنها”.

بل أزيده من شعر البرمكي في صنعة يعلمها بحكم موقعه الأزهري: 

رُبَّ قومٍ قد غَدَوْا في نَعْمةٍ*** زَمَنًا والدهرُ رَيَّانٌ غَدَقْ

سَكَتَ الدهرُ زَمَانًا عنهمُ*** ثم أبكاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ !

 

بقلم : محمد الغريب حسن